سياسة الحكم في السودان وآثار مستقبلها

سياسة الحكم في السودان وآثار مستقبلها / بقلم:عبدالحميد موسى- السـويـد
Kabas548@yahoo.com

طوي ملف الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السودانية وسط جو مشحنون بالتناقضات. حيث قامت الانتخابات السودانية على اساس اتفاق السلام الشامل المبرم في نيفاشا بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية برئاسة المؤتمر الوطني حزب عمر البشيررئيس الجمهورية، والمطلوب من محكمة الجنايات الدولية، هذا على خلفية ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضدالانسانية في اقليم دارفور غرب السودان. ومن المحتمل ان تضاف مادة الابادة الجماعية في قائمة التهم الموجهة ضده من قبل قضاة المحكمة الجنائية الدولية.
نص اتفاق السلام الشامل ضمن بنوده الهامة قيام حكومة انتقالية، واجراء انتخابات حرة ونزيهة في النصف الاخير من الفترة الانتقالية. وبمشاركة كافة القوى السياسية الوطنية السودانية، على ان تشمل الانتخابات رئاسة الجمهورية ورئاسة حكومة الجنوب والولاة والبرلمان القومي زائدا المجالس التشريعية الولائية. منذ ذلك الحين بدات خطة المؤتمر الوطني على كيفية تحكم مجريات الاحداث في الفترة الانتقالية الى ان يتم فصل الجنوب بطريقة ممنهجة رغم رفضهم العلني على الانفصال، والتمكن في الشمال وابعاد الضغوطات التي تتدفق من شريكه الحركة الشعبية لتحرير السودان في حكم السودان والوضع الخاص بدافور والمتعلق بالمحكمة الجنايات الدولية بجانب ثوار دافور. وكان مشاركة الحركة الشعبية بقيادة الابن الوفي للسودان الكتور جون قرنق في حكم السودان كادت ان تضع حدا للمشروع الحضاري العروبي الاسلاموي وقد وضحت بصماتها وتنائجها على ساحة الخضراء بالخرطوم. تلك الساحة التي لا تعرف للشعب السوداني خيرا الا ذلك اليوم الاغر الذي رضي الشعب ان يجتمعوا فيها بالملايين، موجهين آذانهم وابصارهم لسماع صوت من يقول (الوطن للجميع والناس فيه متساوون) هو قرنق المخلص. بعد ان انفض الملايين من الشعب السوداني من الساحة الخضراء فاصاب قوم المؤتمر الوطني حسرة عظيمة وشعروا انهم لا يسوون شيء امام هذا السوداني الاصيل الذي لايفرق بين مسلم ومسيحي، بين افريقي وعربي، فقيروغني ، مثلما يفعلون هم اصحاب المشروع الحضاري. وقد كان اول خططهم تصفية نواة مشروع السودان الجديد هو الدكتور قرنق. ثم اتجهوا لزعزة امن حكومة الجنوب بدعمهم للمليشيات ضد مصالح مواطنين وحكومة الجنوب بغية تشتيت جهودالحركة وتركها كي تركزعلى حل مشاكلها الداخلية المصطنعة. وبذلك نقل المعركة الى جوبا حيث عقر دار الحركة بدلا من تطبيق اتفاقية السلام الشامل وادارة معارك دفع الاستحقاقات مع الحركة الشعبية والجبهات والاحزاب الاخرى في الخرطوم .
بلع المؤتمر الوطنى جبهات المقاومة وهضمها بواسطة عصارات الحركة الشعبية والتي هي في بطن المؤتمر الوطني دون ادارتها ، ذلك ان الاتفاقيات الموقعة كلا من اتفاقية ابوجا من اجل سلام دارفور واتفاقية اسمرا مع جبهة الشرق واخيرا اتفاقية القاهرة مع الحزب الاتحاد الديمقراطي الاصل بزعامة الميرغني. كل تلك الاتفاقيات تم بلعها وهضمها من المؤتمر الوطني باسم تطبيق اتفاقية السلام الشامل والنتيجة كما هي. برلمان يسيطره المؤتمر بنسبة يمكنه من تمرير مشاريعه، او تعطيل اي مشروع ياتي به الحركات المتمردة السابقة او المعارضة من شانه ان يصب لمصلحة الشعب السوداني. والذي ينادي به كافة القوى السياسية السودانية داخل وخارج البرلمان. ناهيك عن الاجهزة التنفيذية في المركز والولايات والتي يمثل اصحاب الاتفاقيات فيها مجرد مشجعين ليس الفاعلين في مسايرة امورالدولة سوى الحركة الشعبية، وهي ايضا لم تاخذ حقها المكفول الا بعد تكشير انيابها، وهكذا ظلت وضع الحكم في السودان .
ان خطة تزوير الانتخابات السودانية من المؤتمر الوطني فعلا قد بدءت منذ اجازة قانون الانتخابات السودانية لسنة 2008 والاحصاء السكاني، مرورا بالترسيم الجغرافي للدائر الانتخابية، وصولا بتزوير بطاقة الناخب وختاماً بتبديل وسرقة صناديق الاصوات الانتخابية البرلمانية والرئاسية. كذلك طرد مراقبي الاحزاب وارهاب المراقبين الدوليين في دارفورحتى الانسحاب. ونرجع قليلا لنتحدث عن سوء نية حزب البشير خاصة في اقليم دارفور. تم تقسيم الدوائر الجغرافية حسب شهية الحزب الحاكم ، ذلك ان غالية مؤيديه تتواجد في جنوب وشمال دارفور. لان غرب دارفور نواة المعارضة وان كان دارفور بشكل عام. بناء عليه اعطى المؤتمر 15 معقد لغرب دارفور رغم انها ثاني ولاية في الكثافة السكانية واعطي شمال دارفور 24 بينما جنوب دارفور حوالي 47 مقعدا. في ذلك كله لم يجد المؤتمر الوطني صعوبة في تمرير قوانينها اوسرقة ارادة الشعب بالاحرى، لكن وجدت في غرب دارفور بالغة الصعوبة داخل صفوفه. حينما رشح ثلاثة من قادته لخوض سباق رئاسة ولاية غرب دارفورهم السلطان / سعد اندوكا سلطان دارمساليت رئيس المجلس التشريعي للولاية ، وشرتاي / جعفر عبدالحكم الوالي السابق لغرب دارفور وسلطان / هاشم سلطان القمر، من بين هذه القادة التابعين لجزب المؤتمر اختار شعب غرب دارفور بجميع مكوناته الحزبية والقبلية السلطان/ سعد عبدالرحمن اندوكا مرشحا لهم حينها اعلن احزاب تحالف جوبا اذا تجرا المؤتمر الوطني باختيار السلطان سعد فاننا نكتفي به ونقف من خلفه، لا يهمنا كونه احد قادة المؤتمر!. لكن دائما لا يختار السارق صديقا امنينا بل يختار لصا مثله لكي يتمكنوا من نهب حقوق الاخرين. وهكذا اختار الحزب جعفر مرشحه، لكن ليس باختيار الشعب بل بقرار تنفيذي خرطومي بعد ما انتقل الصراع من الجنينة الى الخرطوم. حينئذ اتجه الشعب باختيار الامير اسعد اندوكا شقيق السلطان / سعد مرشح حزب الديمقراطي الاصل لرئاسة الولاية. وكانت نتائج الانتخابات بنسبة 80% لصالح الامير/ اسعد مرشح الاتحاد الديمقراطي الاصل. لكن المفاجاة جاءت هذه المرة من مسئولي موضية الانتخابات بالولاية بسرقتهم في نقل الصناديق المليئة باصوات مؤيدي الامير / اسعد مرشح الاصل وتبديلها بصناديق تم تعبئتها بواسطة عمال المؤتمر الوطني في المخابئ ليلا. وبسيارات غير مرقمة تابعة لجهاز الامن، وبمراقبة ضباط الحزب لصالح مرشح المؤتمر المفضل جعفر . لم يكتسب جعفر عبدالحكم فضله من المواطن بل اكتسب ثقة الجلابة حينما سلم صديقه الوطني الثوري الغيور الشهيد/ بولاد لمخابرات الانقاذ بالتعاون مع المستشار مسار، لست ادري في اي شيء يستشيره البشير؟ الرجل حتي لا يستطيع ردالاجابات بطريقة مناسبة . وانتهت الانتخابات بتعيين جعفر عبدالحكم واليا لولاية غرب دارفور الجنينة. لكن المضحك والمبكي عندما سئل مفوضية الانتخابات بغرب دارفور عن سرقة عشرات الصناديق تعترف المفوضية وتقول هذه مسئلة تقنية وهذا لايتكرر مرة اخرى!!! يعني في الانتخابات المقبلة بعد 4 سنوات!!. ثابتة في كسلا صور احد مراقبي الانتخابات صورفيديو حي وتم نشره وهم منهمكين في تعبئة الصناديق للمؤتمر الوطني زورا ، كعادتها نفت المفوضية العليا التزوير وسمتها مسرحية جيدة الاخراج من احزاب المعارضة. لكن من سلب منه لم يكذب فعقد مؤتمرا صحفيا لتبيان الحقائق وبدا انه احد المفوضين في ذلك المركز فينكسر شوكة المؤتمرالوطني لكنه استمر وعين مرشحه في الولاية حينها يئس زعيم الميرغية رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الاصل / محمد عثمان الميرغني من الانتخابات برمتها وقال نكتته العظمية (يعني الليي استقبلوني ديل كلهم شالهم وادي القاش) وهومتجها الى مصر غاضبا من التزوير. يذكر انه عندما زار ولاية كسلا خرج لاستقبالة عشرات اللآف من المواطنين، ولم يحدث ذلك منذ سنوات لاي مسئول آخر وهذا يعني لديه تاييد واسع بين المواطنين. مع ذلك حرص اصحاب الاصوات في محلية قريضة بجنوب دارفور بعدم السماح للتلاعب بتبديل اصواتهم . يذكر ان الملك / يعقوب الملك نزل في الانتخابات البرلمانية مستقلا في دائرته بقريضة، واكتسح كل المرشحين، وفاز في البرلمان مرشحا مستقلا، وقل ما حدث على مستوى السودان. وهو احد رجالات الادراة الاهلية القوية، وانه ملكا لدارالمساليت بجنوب دارفور، وان اهله تضرروا كثيرا جراء هجمات الجيش السوداني والمليشيا التابعة للحكومة. لذلك كان حظ الحكومة شبه الصفرفي قريضة. وعن الرئاسية عبدالله دينق مرشح الشعبي هو الفائزفي الدائرة وبشير لا شيء.
التلخيص
تخلصا من مشروع السودان الجديد وابتعادا ولوبقليل من الضغوطات الغربية في شان تطبيق اتفاق السلام الشامل ، اختار المشروع العروبي الاسلامي من جريدة الانتباه مصدرا اعلاميا مناضها لمشروع السودان الجديد المنادي بتوعية المواطن السوداني عن اخذ حقه الطبيعي في الحياة اليومية مشاركة في السلطة والثروة، تعبيرا حرا، مواطنة متساوية، لافروقات بين سوداني على سوداني في المواطنة والحقوق كذا الواجبات. واتخذ من خال البشير ورئيس حزب منبر السلام العادل ورئيس تحرير جريدة الانتباه/ الطيب مصطفى منبرا عنصريا يفرق بين الشعب السوداني حيث يقسم الشعب الواحد الى اصناف. مسيحيين افارقة ، مسلمين افارقة، مسلمين عرب، والهدف هيمنة المشروع العروبي الاسلامي اركان الحكم في السودان الى الابدا، والامتداد نحو الساحل والصحراء وتعريب المنطقة كلها . بناء على خطة القذافي الزعيم الليبي. حاول المؤتمر الوطني جعل خيار الوحدة كارها كي يختار الجنوب خيار الانفصال حتى يتمكن باقي السودان وربما في مقبل الايام يسمى السودان جمهورية السودان العربية لان المشروع الحضاري قد غير الكثير من المعالم ذات السمة الافريقية خاصة في دارفور، وهذا يزيد تعقيدا في مقبل الايام خاصة بعد انفصال الجنوب. وخوفي هو ان المسافة بين الخرطوم وانجمينا بعيدة مثلما كانت بين الخرطوم ونيروبي اوكمبالا والان جوبا، وقد تكون الجنينة داراندوكا اونيالا اومركز دينار فاشر محطة فاصلة بين الخرطوم وانجمينا رغم اني ضد مشاريع التقسيم والعنصرية.
اتفق مع آراء المحللين الذين يذهبون في ان هناك صفقة تمت اخيرا بين الحركة الشعبية وحزب الحاكم بجانب الولايات المتحدة والمؤيدين لها في ان يتم الانفصال بالتراضي . ذلك بعدما يئست الحركة الشعبية من شريكها في الحكم ، واكدت لنفسها وللمجتمع الدولي بان نظام المؤتمر الوطني مخادع لايقبل ممارسة الديمقراطية ولا التغيير الحقيقي في السودان، ولا يقبل حتى تطبيق اتفاقية السلام الشامل، وبالتالي الانتخابات سيتم تزويرها. وفي الوقت المناسب ضمنت الحركة حقها في المسائل المتعلقة بابيي واستفتاء الجنوب ، والنيل الازرق وجبال النوب الى حد ما. وقررت سحب مرشحها الاستاذ/ عرمان من السباق الرئاسي وعلى كل مستويات الانتخابية في الشمال الصافي نظرا لقيام دولة جنوب السودان حتى لا يحرج ممثليها على رئاسة الولايات والوزراء الولائيين واعضاء المجالس التشريعية اثناء الانفصال وهم ولاة ووزاء واعضاء تشريعيين . وكان من المحتمل فوز الحركة في كثير من الدائر لتمتعها بثقة الشعب السوداني بالرغم من خطة المؤتمر الوطني التزويرية. لذلك قبلت الولايات المتحدة بدءا من مركز جيمي كارتر لمرافبة الانتخابات وجنرال غريشن راعي سلامي دارفور وجنوب السودان، وكذلك مراقبي الاتحاد الاوروبي للانتخابات السودانية المزورة . مؤكدين بذلك ان الانتخابات لا تحمي البشير من الملاحقة الجنائية الدولية. وحسب تحليلي حاولت امريكا ان تبعد جنوب السودان بالانفصال من قبضة البشير حتى تاخذ الجنوب حقها بعيدا عن ارض المعارك. لان وجود الحركة الشعبية داخل المؤتمرالوطني لا يضع مجالا لتطبيق العدالة على اعضاء الحزب الحاكم في ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في اقليم دارفور. سواء فرض عقوبات لافراد بعينها اوالدولة كلها. وبالتالى لدى المجتمع الدولي سبل اخرى للتعامل مع البشير في وقت لاحق.
القوى السياسية الوطنية السودانية لديها كثير من التنافضات! والا لكان قد دخلت الانتخابات بمرشح واحد حتى يكون صوتها قويا، خاصة بعد تحالف جوبا. لكن المرجح في انشطارهم اثناء الانتخابات هو بعضهم اغرهم الحزب الحاكم بالشيكات الطائرة وخيموا في وادي السراب. والبعض الاخر كانت مع ركب الحركة الشعبية لتحرير السودان تماما الا انها نزلت في واد آخر ، وصاروا جميعا في مصيدة المؤتمر الوطني وندموا على ذلك. والجانب غير المرئي في الاحزاب السودانية، هي مازالت تعاني من الافكارالتقليدية ذات التابع الاسري والطائفي ، مما جعل مساحة الحرية وتبديل المناسب اثناء ترشيح اعضاءها في هيكلية الحزب ضيقة، كذلك ترشيح اعضاءها في الاتخابات القومية. وبالتالي اصبحت التغيير حسب المعايير الديمقراطية شبه مستحيلة حتى الان. مما جعل مواطني غرب السودان وشرقه وجنوبه لايؤمنون كثيرا من حرية ممارسة الديمقراطية بجميع مستوياتها في السودان. واصبحت حماسة الشعب لدى ساستهم ضعيفة جدا، الا الذين يتذوقون طعم السلطة والثروة السودانيتان، ويبدوا هم بنسبة 90 % من الشمال والوسط السوداني. الاحزاب السودانية بحاجة للتغيير الجذري في سياساتها لحكم الشعب السوداني الآن. وان آثار الانتخابات السودانية مستقبلها قاتم، ويتطلب من الجميع احزابا وشعبا العمل على ازالة مشروع الحضاري حفاظا من انزلاق السودان وانهيارة كدولة تحد مع تسعة دولة افريقية كبيرة ومتوسطة الحجم . وعلى الشعب السوداني ايضا ان لايقبل تعريب السودانيين بحجة الاسلام والاسلام بريء من مشروعهم ، وان اللغات المائة والاربعون السودانية يجب ان لا تطمس على حساب اللغة العربية لانها تمثل الجزء الاكبر من ثقافة الشعب السوداني.

Kabas548@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: